راي صمود : اتفاقية مدريد ومسؤولية اسبانيا التي لا تسقط بالتقادم
بحلول
ذكرى اتفاقية مدريد المشؤومة, تجد حكومة اسبانيا
نفسها مطالبة بتحمل مسؤولياتها فيما ال
اليه الوضع في الصحراء الغربية, بعد
انسحابها الفوضوي بتاريخ 28
فبراير
1976
,دون
ان تفي بالتزاماتها الدولية تجاه المجتمع
الدولي, وتجاه الشعب الصحراوي.
وكانت
الامم المتحدة قد رفضت قبول وثيقة اتفاقية
مدريد ضمن وثائقها الرسمية, كونها تتناقض
مع ميثاق وقرارات الامم المتحدة القاضية
بضرورة تصفية الاستعمار من الصحراء
الغربية, عبر تنظيم استفتاء يقرر من خلاله الشعب الصحراوي مصيره بكل حرية.
اتفاقية
مدريد التي تم بموجبها نقل ادارة الصحراء
الغربية, من الاستعمار الاسباني الى
الاحتلالين المغربي والموريتاني, في مثل هذا التاريخ من سنة 1975’
اشارت
في اهم بنود ها التي شابها الكثير من
الغموض, الى ان اسبانيا بقبولها و توقيعها
على اتفاقية مدريد, تكون قد وضعت حدا
لمسؤولياتها وسلطاتها كقوة إدارية على
أراضي الصحراء الغربية.
وانها
ستشرع فورا بإنشاء إدارة مؤقتة، باشراف
الاحتلالين المغربي والموريتاني,
على
ان يتم إنهاء الوجود الاستعماري الاسباني
على الأراضي الصحراوية نهائيا قبل
28
فبراير
1976.كما اشارت الى ان الادارة المؤقتة تعتمد على ما سمته الاتفاقية بالجماعة, التي "تمثل الشعب الصحراوي", والتي كان سيتم بواسطتها اضفاء الشرعية على الاحتلالين المغربي والموريتاني, دون اللجوء الى الاستشارة الشعبية كشرط اساسي لتصفية الاستعمار من اقليم, كما نصت على ذلك قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة.
هذا الشرط الجوهري الذي حاول الاستعمار الاسباني, ان يتخذه سندا ومبررا للتخلص من مسؤولياته تجاه الصحراء الغربية وشعبها, لم يكن موجودا انذاك, على اعتبار ان الجماعة كما سمتها الاتفاقية, او الجمعية العامة حسب المتعارف عليه, كان قد تم حلها قبل ذلك التاريخ باكثر من شهر .
وكان
الجنرال فرانكو قد حاول الالتفاف على
قرارات الامم المتحدة, من خلال انشاء ما
اسماه بالجمعية العامة,
التي
تضم شيوخ القبائل الصحراوية المنتخبة ,
من
بينهم ممثلين لها بالكورطيس الاسباني,
وذلك
بهدف جعلها بديل للاستشارة الشعبية,
ووسيلة لتمرير الحكم الذاتي تحت السيادة
الاسبانية.
وبعد
تعذر تمرير المؤامرة ومرض افرانكو المفاجئ,
لم تجد اسبانيا من سبيل للتخلص من عبئء
مسؤولياتها التاريخية تجاه الشعب
الصحراوية,
وضغط
الاحتلال المغربي, سوى باللجوء الى استعمال
ورقة الجمعية العامة, التي تم حلها بموجب
اعلان الوحدة الوطنية 12
اكتوبر
1975
, مما
افقد الاتفاقية شرعيتها,لاستنادها
الى شرط مفقود,
لتصبح
باطلة,
وغير
ملزمة لاطرافها ,
بعد
انسحاب موريتانيا .
لقد
جاءت اتفاقية مدريد استجابة للضغوطات
التي مارسها الاحتلال المغربي, الذي استغل
المرض المفاجئ للجنرال فرانكو, ليمارس
ضعوطا قوية على اسبانيا, ويضعها امام
خيارين, اما الاذعان لارادته,
وتسليم
الصحراء الغربية له على انها جزء من
اراضيه,
او
الدخول في حرب للدفاع عن مستعمرتها ,
وهو
خيار كان مستبعدا,
ليس
بسبب الوضعية الاستثنائية للحكومة
الاسبانية انذاك ,
ولكن
لان الجيش الاسباني ايضا لم يعد متحمسا
للدفاع عن اراضي كان بصدد تنظيم استفتاء
بشان تحديد مستقبلها.لقد
استغل الحسن الثاني الذي تلقى يوم 16
اكتوبر
1975,
خبر
صدور استشارة محكمة العدل الدولية بما
لا يشتهيه,
نبا
تفاقم الوضعية الصحية للجنرال فرانكو,
الذي اصبح يعاني من صعوبة التنفس والقي,
ادت
به بعد اقل من اسبوع الى دخول غرفة الانعاش
في وضعية صحية خطيرة.
ليعلن
في نفس اليوم استعداده لتنظيم ما اسماه
بالمسيرة الخضراء,
داعيا
المغاربة من شمال المغرب الى جنوبه ومن
شرقه الى غربه, الى الاستعداد للتوجه الى
الصحراء الغربية.
وفي
اقل من اسبوعين كانت على مشارف حدود
الصحراء الغربية, اعداد كبيرة من المغاربة
الذي نقلوا على متن شاحنات من مختلف مناطق
المغرب, ليتم حشدهم على حدودها يوم 6
نوفبر
1975
في
انتظار اوامر الملك.
الجيش
المغربي المحتل الذي كان مرابطا على حدود الصحراء الغربية,
تلقى اوامر باجتياحها يوم 31
اكتوبر
1975,
بدءا
من منطقة حوزة وتفاريتي الصحراويتين.
هذا
الوضع المحرج لاسبانيا المنشغلة بترتيبات
ما بعد الديكتاتور فرانكوا, الذي كان
مهيمنا على مقاليد الحكم باسبانيا,
هو
الذي جعل اسبانيا تذعن لارادة الاحتلالين
المغربي والموريتاني, وتسلم الصحراء
الغربية مقابل تحقيق مصالحها, ويبقى
المتضرر الاول والاخير هو الشعب الصحراوي,
والقانون الدولي, ومصداقية الامم المتحدة
التي لازالت على المحك.